"غفران".. بطلة تايكواندو سورية أنهى الصراع مسيرتها الرياضية (صور)

"غفران".. بطلة تايكواندو سورية أنهى الصراع مسيرتها الرياضية (صور)

"يساعد التدريب على الفنون القتالية في مواجهة الأوقات الصعبة"، هذا ما قالته سيدة في مدينة حلب لسفير النوايا الحسنة لدى برنامج الأغذية العالمي، جورج سترومبولوبولوس، خلال زيارته للبلاد، موضحة كيف تبدو الحياة بالنسبة للأشخاص الذين يصارعون أزمات لا هوادة فيها طوال هذا الوقت؟

في رسالة كتبها المذيع الكندي "سترومبولوبولوس" عن زيارته لسوريا ولقائه بهذه السيدة الملهمة قال: “نادراً ما تتصدر سوريا عناوين الصحف هذه الأيام، ولا تذكر حتى 12 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي بعد أكثر من 11 عاماً من الصراع، أي أكثر من نصف عدد السكان”.

يقول "سترومبولوبولوس": أردت من الزيارة، المساعدة في تسليط الضوء على الوقائع التي يكابدها الشعب السوري كل يوم.

وأضاف: "كانت زيارتي لمنزل غفران في مدينة حلب في الشمال السوري مذهلة، شخصيتها تبهرك على الفور، ربما يمكنك القول إن لديها هالة على الرغم من أنها متواضعة للغاية، إلا أنه كان لديها حضور.. لم يكن إحساسي خاطئاً، اتضح أنها كانت منافسة في الفنون القتالية، بطلة تايكواندو".

 

غفران تستعرض مادلياتها الذهبية والفضيةغفران تستعرض ميدالياتها الذهبية والفضية

نشأت "غفران" في عائلة كبيرة ودافئة، كان لديها عشرة أخوة: ثمانية أشقاء وشقيقتان، كانت متفوقة في المدرسة، وبحلول عامها الأخير في الدراسة، بدأ مشوار حلمها الكبير.

وتقول غفران: "كان أخي المقرب، لؤي، يمارس فنون القتال، ومن خلاله وجدت شغفي بالتايكواندو لأول مرة".

يضيء وجه غفران عندما تتحدث عن التايكواندو! وبكلماتها الخاصة: "التايكواندو ليس مجرد فن.. إنه يعلمك الأخلاق ويعلمك الصبر ويعلمك التصميم".

بعد 8 سنوات من انطلاق مسيرتها، أصبحت غفران أماً لطفلين وفي الوقت نفسه نما سجلها في التايكواندو بثلاث ميداليات وطنية، وواحدة ذهبية وفضيتين، ولكن بينما كانت تستعد للمنافسة على المستوى الأخير، الحزام الأسود، أخذت حياتها منعطفا مأساويا.

ففي عام 2011، اندلع الصراع في الحي الذي تقطنه غفران، وأودى بحياة زوجها واثنين من أشقائها، وكانت حبلى بابنها الأصغر، حمزة، في شهرها الثالث عندما تركت كل شيء وراءها وهربت من حلب مع أطفالها.

تركت غفران معظم ممتلكاتها وراءها، إلا أن الشيء الوحيد الذي حرصت على اصطحابه معها هو الحقيبة التي احتفظت فيها بكل معدات التايكواندو: لباسها، وكل الميداليات التي فازت بها، وكل الصحف التي تذكر إنجازاتها، أدت الضغوط الحياتية إلى تركها للجامعة، فلم تكمل تعليمها وتحصل على الشهادة.

وبحلول عام 2016، خمد الصراع أخيراً في حلب، وعادت غفران مع أطفالها الثلاثة، لتجد منزلهم مدمرا بالكامل، بكن لحسن الحظ، كان لديها إمكانية الوصول إلى شقة يملكها والديها اللذين هربا أيضاً جراء القتال، إلا أنه كان متضررا أيضا.

وتقول غفران: "كانت الشقة غير صالحة للسكن، أرضياتها مغطاة بغبار الإسمنت، وجدرانها متضررة، وكانت قد نُهبت ولم يكن بها نوافذ أو أبواب".

ولأن الشقة كانت آخر بصيص أمل لأطفالها، استحضرت غفران قوتها وشمرت عن ساعديها وبدأت بالعمل، وقالت بكل فخر: "بفضل التايكواندو، كان لدي القوة اللازمة للقيام بالمهمة.. لقد أصلحت الجدران بيديي".

ومن أجل كسب لقمة العيش، تولت غفران وظائف التنظيف والطهي والدروس الخصوصية، والتي كانت مجتمعةً تدخل ما يكفي من المال للعيش مع أطفالها، ولكن الانكماش الاقتصادي الذي شهدته البلاد منذ العام الماضي أدى إلى ارتفاع حاد في الأسعار في جميع أنحاء البلاد، فانخفض دخل غفران عن تغطية نفقاتها، وهناك التفتت إلى برنامج الغذاء العالمي.

وقالت: "في البداية، كنت أتلقى سلة طعام كل شهر وكانت تجلب الكثير من الفرح لأولادي، ولكن بعد ذلك تم إعطائي خيار تلقي مزيج من المساعدات الغذائية والنقدية وكان ذلك أفضل لأنه سمح لي بتنويع الطعام بشكل أفضل في نظامهم الغذائي".
 

غفران مع أطفالهاغفران مع أطفالها

وتعتبر كندا من الجهات المانحة الرئيسية لبرنامج الأغذية العالمي في سوريا، ويُترجم هذا التمويل إلى مساعدات غذائية شهرية للعائلات مثل عائلة غفران، حيث تقدم الأموال الكندية أيضاً وجبات خفيفة في المدارس في المجتمعات الأكثر حرماناً، حيث يمكن أن يكون لوح التمر البسيط أو شطيرة طازجة هو الفطور الوحيد الذي يتناوله الطفل في ذلك اليوم.

يذكر أنه في مدينة حلب وحدها، يقوم برنامج الأغذية العالمي بإطعام أكثر من 30 ألف طفل يوميا.

وللمقاربة، إذا كنت معيلاً لأسرة مكونة من خمسة أفراد في سوريا بدخل متوسط، يمكنك تغطية نحو ثلث احتياجاتهم الشهرية من الطعام بهذا المبلغ.

ووسط ارتفاع الأسعار، كان على غفران تعلم بعض طرق الطبخ، فقالت: "لا بد لي من تقنين الطعام لأطفالي، لأنهم إذا أكلوا بحرية، فلن يكون الطعام كافيا".

عندما تطبخ البيض، تخلطه مع قطع الخبز المقلية لتدعيم الوجبة.. وتحاول أيضاً أن تستفيد قدر الإمكان من الجبنة حيث تهرسها مع أشياء أخري لإعداد السندويشات للأطفال.

قالت غفران بصوت حزين: "أستبدل الحليب بالشاي.. أعلم أنه أقل تغذية بكثير لكن ليس لدي القدرة على شراء الحليب، وهم بحاجة إلى مشروب لمساعدتهم على ابتلاع طعامهم.. أشعر بالمرارة لأجلهم".

واليوم، تواصل غفران إعالة أطفالها الثلاثة بالإضافة إلى اثنين من أبناء أخيها الذين فقدوا والديهم خلال النزاع، تقول بصوت هادئ: "أنا ممتنة لأن أطفالي أصبحوا بخير، سأستمر في دعمهم حتى يصلوا إلى أعلى الدرجات في تعليمهم.. هذه رسالتي في حياتي الآن".

وفي نهاية رسالته يقول "سترومبولوبولوس": "كان لقاء غفران وأطفالها أبرز ما شهدت أثناء زيارتي إلى سوريا.. إن قوتها ومرونتها في مواجهة الكثير من المآسي ملهمة.. ولكن تبقى مجرد قصة واحدة من المآسي التي تحدث في سوريا، لذلك فإن عمل برنامج الأغذية العالمي ضروري هناك وفي جميع أنحاء العالم".

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية